فإلى متى بقي يسوع في القبر؟ دعونا نبدأ بالنظر إلى أصل هذا السؤال.
تنبأ يسوع بموته وقيامته عدة مرات. في إحدى المرات، قال: “لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.” (متى 12 :40). وقال أيضاً إن اليهود والرومان “سيجلدونه و يقتلونه؛ وفي اليوم الثالث يقوم.” (لوقا 18 :33 )
و مع ذلك، صلب يسوع يوم الجمعة وقام من الموت صباح يوم الأحد. إذا حسبت يوم الجمعة كجزء من اليوم، وكذلك السبت والأحد، تحصل على ثلاثة أيام. ولكن إذا حسبت ليالي الجمعة والسبت، فإنك تحصل على ليلتين فقط. إذن هناك ليلة مفقودة.
فكيف يمكن أن يكون يسوع قد ادعى أنه سيموت ويقوم بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، بينما كان ميتاً لمدة يومين وليلين فقط؟
يمكن العثور على الحل في التقاليد اليهودية والمعرفة حول الوقت.
لفهم ذلك، يجب معرفة أنه في زمن الرب يسوع المسيح، كان هناك مجموعتان من اليهود. اليهود من الجليل واليهود من يهوذا. اليهود من يهوذا يتمسكون بتقاليدهم اليهودية الأصلية، لذا بالنسبة لهم كان اليوم يُحسب من الساعة 6 صباحاً حتى 6 مساءً فقط، أي اثنتي عشرة ساعة.
لكن اليهود من الجليل كانوا يتبعون طريقة مختلفة في حساب اليوم. هؤلاء اليهود تأثروا بالمنفى في بابل. عندما نُقل اليهود إلى بابل، تأثروا ببعض التقاليد البابلية. في التقاليد البابلية القديمة، كان البابليون يعتبرون جزءاً من اليوم كيوم كامل، وكان اليوم الجديد يبدأ في الساعة 5 مساءً. بمجرد أن يتجاوز الوقت الساعة 5 مساءً، في تفكيرهم، يعتبرون اليوم الجديد قد بدأ، ويحسبونه كأنه يوم وليلة، حتى وإن لم ينتهِ اليوم بعد.
اليهود الذين عادوا بعد المنفى إلى كنعان نقلوا هذه التقاليد إلى أطفالهم. لهذا السبب كان هناك في زمن يسوع العديد من المجموعات المختلفة من اليهود، وهذا أحد أسباب النزاعات بين اليهود وعدم رغبتهم في انضمام الآخرين إليهم في إعادة بناء هيكلهم. وهذا أيضاً سبب لماذا كان هناك يهود يتناولون الفصح مساء الخميس وآخرون يوم الجمعة.
كما أن فكرة حساب اليوم ككل: يوم وليلة، حتى وإن لم ينتهِ اليوم، لم تكن جديدة على اليهود. لذا، عندما تنبأ يسوع عن نفسه بأنه سيكون في القبر لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، كان على حق. لأنه بمجرد أن بدأ اليوم الجديد أي يوم الأحد، كان يُحسب كأنه يوم كامل وليل كامل.
يمكن العثور على إشارة لهذا الشرح في إنجيل متى عندما ذهب اليهود إلى بيلاطس قائلين: “يا سيد، نحن نتذكر أن ذلك المخادع قال، وهو بعد حي، إنه بعد ثلاثة أيام سأقوم. فمر الآن أن يُحفظ القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب: قد قام من الأموات: فيكون آخر ضلال أسوأ من الأول.” (متى 27 :63-64 )
اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون معاً إلى بيلاطس وطلبوا الحراس حتى اليوم الثالث، أي الأحد. لكن إذا كانوا سيحسبون ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، لكان الحراس يجب أن يبقوا حتى صباح الاثنين. ولكنهم يعرفون أن جزءاً من يوم الأحد يُحسب كيوم وليلة واحدة. لذا، كانوا يعرفون أن يسوع يمكن أن يقوم يوم الأحد. ولهذا السبب طلبوا الحراس حتى يوم الأحد
. ملخص:
إذاً، عبارة “ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ” لا تعني حرفياً 72 ساعة.
إنها مثلما يقول أحدهم في الولايات المتحدة: “لقد متّ حرفياً في ذلك اليوم”، وهذا لا يعني بالطبع أنه كان ميتاً بالفعل! إنها عبارة شائعة، وبالمثل، ينبغي ألا يُحسب فهم “ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ” حرفياً، كما فهمها المسؤولون في ذلك الوقت.
يمكن العثور على أمثلة مشابهة في الآيات التالية: إستير 4 :15 – 5 :1 أو 1 صموئيل 30 :12-13.
تأملات نهائية:
هناك أيضاً تأملين حول الثلاثة أيام والثلاثة ليالٍ.
أولاً، يوم الجمعة، يوم صلب يسوع، يُحسب كيوم واحد. ثم بينما كان على الصليب جاء الظلام من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة: “ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة” (متى 27 :45 )
يمكن اعتبار هذه “الظلمة” كـ “ليلة واحدة”. ثم بالطبع ليلة الجمعة هي الليلة الثانية. بعد ذلك، يكون يوم السبت هو اليوم الثاني، وليلة السبت هي الليلة الثالثة، وأخيراً صباح الأحد هو اليوم الثالث. لذا، لديك ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ
. ثانياً، يسوع لم يذكر صراحة أنه بقي في القبر لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. قال: “فإن ابن الإنسان يكون في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.” (متى 12 :40). إذا كانت عبارة “قلب الأرض” ترمز رمزياً إلى معاناته الجسدية، فإن معاناة يسوع بدأت فعلاً مساء الخميس عندما قُدّم إلى قيافا وحنانيا الكهنة.
يمكن دعم هذا الفهم الرمزي بإنجيل لوقا حيث قال يسوع إن اليهود والرومان سيجلدونه و يقتلونه؛ وفي اليوم الثالث يقوم.” (لوقا 18 :33). هنا، أشار يسوع إلى مرحلة “الجلد” كنقطة انطلاق، وليس موته. كان قد جُلد فعلاً مساء الخميس. في هذه الحالة، يكون من مساء الخميس إلى مساء السبت ثلاث ليالٍ، ومن صباح الجمعة إلى صباح الأحد ثلاثة أيام، وبالتالي يكون الإجمالي 72 ساعة.
هذه هي الطرق للنظر إلى وتفسير الآية المتعلقة بثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. ومع ذلك، الأهم بكثير هو أن يسوع المسيح قام بالفعل من الموت وغلب الموت نيابة عن الإنسانية كلها.