يميل معظم المشككين فى الكتاب المقدس إلى إخراج الآيات من سياقها، وذلك بعدم قراءتهم للاصحاح بالكامل أو الجزء الخاص بالموضوع الذى يبدو لهم انه متناقضاً. ولكن هناك معلومات سياقية مهمة حول الأناجيل يمكن أن تساعد فى حل العديد من الإشكاليات المتعلقة بالاختلافات بين الأناجيل الأربعة.
النقطة الأولى:
ان الأناجيل هى أربعة كتب قد كتبها أربعة أشخاص مختلفين، وهذه الاناجيل تخبرنا بما فعله وما قاله السيد المسيح. وهم:
- مارمتى البشير:
هو أحد التلاميذ الاثنى عشر، وقد كتب عما شاهده بنفسه، بالإضافة إلى معلومات قد اخذها من شهود عيان آخرين عن بعض الأحداث التى شاهدوها. على سبيل المثال، الحقائق المتعلقة بطفولة السيد المسيح والتي حصل عليها من السيدة العذراء. كما أن متى البشير كان يخاطب اليهود، وقد قدم السيد المسيح كمحقق للنبوات والوعود الموجودة فى العهد القديم، كما قدمه بانه المسيا الحقيقى وملك اليهود. ولذلك فقد اقتبس كثيراً من نبوات العهد القديم.
- مارمرقس الرسول:
كان يدعى أيضاً يوحنا مرقس، ومن جهة التقليد فانه يعتبر أصغر الكتاب سناً وأول من كتب إنجيله. وبحسب تاريخ الكنيسة فانه كان شاهد عيان للسيد المسيح. وقد أشار إلى نفسه فى ( مرقس 14:51 ) وهو الوحيد الذى ذكر ذلك فى احداث انجيله. وقد أمضى وقتاً وهو مسافر مع بولس الرسول، ثم انضم إلى بطرس الرسول. وقد كتب بابياس ( الذى عاش فى أوائل القرن الثانى ) أن مارمرقس كان مفسراً لبطرس الرسول، وأنه قام بجمع أقوال بطرس فى إنجيل. وكتب القديس إيريناؤس ( الذى عاش فى أواخر القرن الثانى ) أن مارمرقس كان تابعاً لبطرس، وأنه قد كتب الإنجيل الذى كان بطرس الرسول يبشر به. وأيضاً كتب القديس إكليمنضس السكندرى ( الذى عاش فى أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث ) إن مارمرقس كان رفيقا لبطرس الرسول وان القديس مارمرقس قد كتب إنجيله بناء على طلب منه.
وفيما يخص نسب إنجيل القديس مارمرقس إليه فان ذلك يعتمد على آباء الكنيسة الأوائل أولئك الذين ذكرناهم وهذا وفقاً لما يترآه التقليد الكنسى. وقد كتب القديس مارمرقس إنجيله فى الفترة ما بين 55 و59 ميلادية، أى بعد ما يقرب من 20 إلى 30 سنة من صلب السيد المسيح وقيامته.
- القديس لوقا الانجيلى:
كان طبيباً ولم يكن شاهد عيان للسيد المسيح، بل انه آمن بالسيد المسيح من خلال القديس بولس الرسول. وقد كتب إنجيله بناء على مارآه شهود العيان الأساسيين.
وبهذه الآيات قد بدأ انجيله:
” إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة فى الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالى إليك أيها العزيز ثاؤفيلس، لتعرف صحة الكلام الذى علمت به. ” ( لوقا 1:1-4 )
كما أن التقليد الكنسى يذكر إن القديس لوقا الانجيلى قد قابل السيدة العذراء مريم والدة السيد المسيح. وهناك عدة عوامل تدعم هذا الرأى منها:
أن إنجيل القديس لوقا يحتوى على عدة تفاصيل عن حياة السيدة العذراء مريم لم تذكر فى باقى الأناجيل على سبيل المثال البشارة، زيارتها لاليصابات، وتسبحتها الشهيرة. وهذه التفاصيل تشير إلى أن القديس لوقا كان لديه مصدر للمعلومات لم يكن متوفر لكتاب الأناجيل الآخرين.
وتأتى أهمية السيدة العذراء فى الكنيسة الأولى انها كانت الشاهد الرئيسى على حياة وخدمة السيد المسيح وخاصة ان شهادتها كانت بلا شك ذات قيمة كبيرة للمسيحيين الأوائل.
- القديس يوحنا الحبيب
كان أيضاً أحد التلاميذ الاثنى عشر، وقد كتب إنجيله فى وقت لاحق عن بقية الأناجيل.
تعرف الأناجيل الثلاثة الأولى باسم “الأناجيل الإزائية” لأنها تلخص حياة السيد المسيح بالكامل، أما يوحنا فقد قرر أن يكمل ما تم ذكره فى هذه الأناجيل الإزائية. فعلى سبيل المثال فانه لم يكرر المعجزات التى تم ذكرها فى الاناجيل الاخرى ما عدا معجزة إشباع الـ 5000 رجل وذلك لأنه أراد أن يسجل النقاشات الهامة التى نتجت عنها. وأى حدث أو شئ آخر اعتبره هام ولم يذكر فى الأناجيل الثلاثة الأخر قد أضافه إلى انجيله وذلك بناء على وحى الروح القدس.
النقطة الثانية:
لا يوجد دليل يشير إلى أن كتاب الأناجيل قصدوا أن تكون اناجيلهم مرتبة ترتيباً زمنياً دقيقاً بالكامل. فانجيل كل من القديس لوقا الانجيلى والقديس مارمرقس الرسول يتبعان عموماً نفس الترتيب الزمنى. ولكن القديس متى الرسول الذى كان له عقلية منظمة، فضل أن يجمع الأحداث المتشابهة من حيث الموضوع – والتى قد وقعت فى أوقات مختلفة خلال أول سنتين من خدمة السيد المسيح – ويتضح هذا فى الإصحاحين 8 و 9 من انجيله، حيث قام بجمع عشر معجزات وسجلهم في سلسلة واحدة طويلة. ومع ذلك، فانه بدءاً من الإصحاح 14 نجد ان ترتيب باقى الاحداث فى انجيل القديس متى الرسول يتفق تماماً مع انجيل كل من القديس مارمرقس الرسول والقديس لوقا الانجيلى.
النقطة الثالثة:
يمكن لـ 12 شخص أن يشاهدوا نفس الحدث ويقدموا روايات مختلفة قليلاً عنه. و بالرغم من ان المعنى لا يتغير إطلاقاً، ولكن عناصر الحدث أو الحديث المختلفة قد يبدو بعض منها أكثر أهمية عن غيرها وذلك من شاهد إلى آخر.
النقطة الرابعة:
وفيما يتعلق بكيفية تجميع الأناجيل، والتساؤلات الخاصة بدقة الأناجيل خاصة بعد مرور عدة سنوات. فإليك هذا الاقتباس من د. كيفن سميث ( اللاهوتى، الجنوب أفريقى ورئيس معهد اللاهوت بجنوب أفريقيا )
“كانت القصص تتداول كأحداث فردية، مثل اشباع الـ 5000 شخص أو سير السيد المسيح على الماء. ولكن فيما بعد بدأ الناس في تجميع مجموعات مكتوبة عن هذه الحوادث الفردية عن خدمة السيد المسيح. وربما قد جمعوها فى أقوال ومعجزات وأمثال. وقد ظهرت مصادر متنوعة مكتوبة بمرور الزمن، تحتوى على مواد من حياة وخدمة السيد المسيح. وعند تجميع الأناجيل استند كتاب الأناجيل على التقاليد والمصادر المختلفة المتاحة لديهم.”¹
إليك مقال كامل حول لماذا لم تتغير قصة السيد المسيح حتى وقت كتابة الأناجيل. ويمكنك قراءة هذا المقال على صفحتنا على فيسبوك أو على موقعنا الإلكتروني:
ولؤلئك الذين يفضلون الفيديوهات، إليكم رابط فيديو مبنى على هذا المقال:
https://youtu.be/5Lz_Mvw5PEw?si=ogBCYF3H1ttzqaba
يمكن إضافة نقاط أخرى إلى القائمة، ومع ذلك فإن هذه النقاط الأربعة قد تناولت معظم الأسئلة التى طرحها المشككون باعتبارها « دليلاً على أن كتب الأناجيل الواردة فى الكتاب المقدس لا يمكن اعتبارها دقيقة تاريخياً بسبب كثرة الاختلافات فى كل رواية». ولكن وجود رواية «مختلفة» لا يعني بالضرورة أنها رواية «غير دقيقة».
المرجع:
١. كيفن ج. سميث ٢٠٢٠. أقوال وأعمال يسوع. جوهانسبرغ: مطبعة المعهد اللاهوتي لجنوب أفريقيا.