لقد أصبح مفهوم نظام الغذاء النباتى والذين يتبعون هذا النظام شائعين جداً فى العالم المعاصر. ومع تطور هذا الأسلوب الحياتى الجديد نسبياً، ظهرت العديد من الأسئلة. لذا ففى هذا المقال سوف نناقش وجهة النظر المسيحية حول هذا النظام ونوضح المفاهيم الخاطئة العديدة المتعلقة به.
ولكن أولاً، ماذا يعنى نظام الغذاء النباتى ؟
ان نظام الغذاء النباتى هو فلسفة وطريقة للحياة تسعى إلى استبعاد جميع أشكال استغلال الحيوانات والقسوة عليها قدر الإمكان سواء من أجل الطعام أو الملابس أو أى غرض آخر. وتبعاً لذلك فهو يشجع على تطوير واستخدام البدائل الخالية من المنتجات الحيوانية وذلك من أجل مصلحة الحيوانات والبشر والبيئة.
بناء على التعريف السابق لهذا النظام نجد إنه هدف نبيل جداً، أليس كذلك!
إذاً، لماذا نحتاج إلى توضيح أى شيء عنه؟
الحقيقة أن بعض النباتيين، بل الكثير منهم، هم أشخاص لا يريدون أكل اللحوم. فالغالبية العظمى من النباتيين اليوم هم مجرد أشخاص عاديين يريدون استبعاد بعض الأطعمة من نظامهم الغذائى، ولا يهتمون برفاهية الحيوانات أو ازدهار كوكبنا.
ومع ذلك، فهناك بعض الأشخاص الذين يهتمون بذلك. ولكن هؤلاء يواجهون مشكلة أعمق بكثير.
لتوضيح الأمر، يحاول الذين يعتنقون النظام الغذائى النباتى ان يرسمون صورة جذابة لا يمكن تحقيقها. هذه الصورة ببساطة هى “مجتمع فاضل مثالى حيث يعيش فيه الإنسان والحيوان فى سعادة، وتستدام الأرض وبذلك نستطيع أن نتمتع بالعيش فى جنة من صنع البشر (وهى الأرض) إذا التزمنا بالنظام النباتي”. ولكن هذا الحلم المثالى بعيد جداً عن الواقع! فالكتاب المقدس، الذى يحثنا دائماً على ان نكون منطقيين وعقلانيين ويعارض فكرة أحلام اليقظة يعلمنا انه « وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل.» (التكوين 3 : 18)، وفي (يوحنا 16 : 33) « في العالم سيكون لكم ضيق». إذاً، سيكون هناك دائمًا فقر ومرض… إلخ. لذا فمن خلال وجهة نظر المسيحية فاننا نعيش فى عالم ساقط وهو بالتأكيد ليس عالماً ملئ بقوس قزح والفراشات كما يتخيله النباتيون.
إذاَ، هل تدعو وجهة النظر المسيحية إلى القسوة على الحيوانات لمجرد انه عالم ساقط؟
يمنع الكتاب المقدس القسوة على الحيوانات، كما يخبرنا (المزمور 145 : 9) ان « الرب صالح للكل، ومراحمه على كل أعماله.»، ويعلن أيضاً سفر (الأمثال 12 : 10) ان « الصديق يراعي نفس بهيمته.»
ولكن ذبح الحيوانات يذيب قلوب الكثير من الناس، لذا فألا ينبغي علينا أن نطبق ما ورد فى الكتاب المقدس (أن نكون رحماء بالحيوانات) وما يدعو إليه النظام النباتى أيضاً؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نوضح أنه نعم علينا أن نكون رحماء بالحيوانات، ولكن قيمة الإنسان تفوق قيمة الحيوان كما ذكر فى سفر (التكوين 1 : 27) « فخلق الله الإنسان على صورته». فالله لم يخلق الحيوانات على صورته، ولم يقدّم ابنه الوحيد لكي تحيا الحيوانات إلى الأبد. وبالرغم من انه يجب معاملة الحيوانات بلطف، ولكن لا يمكن بأى حال مقارنتها بالإنسان.
وبالاضافة إلى ذلك، فانه جدير بالذكر أن هؤلاء الذين ينادون بـ “حقوق الحيوان” وتنكسر قلوبهم عند رؤية قتل الحيوانات، فانهم لا يذرفون دمعة واحدة عندما يموت إخوانهم من البشر فى الدول الفقيرة بسبب المجاعات!
إذاً بما أنه يجب ان تعامل الحيوانات برفق، فلماذا علينا أكلها؟
تجيب رؤيا القديس بطرس الرسول التى وردت فى سفر أعمال الرسل الإصحاح العاشر على هذا بوضوح: « فرأى السماء مفتوحة، وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض. وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء. وصار إليه صوت: «قم يا بطرس، اذبح وكل». فقال بطرس: «كلا يا رب! لأنى لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً». فصار إليه أيضاً صوت ثانية: «ما طهره الله لا تدنسه أنت! » وكان هذا على ثلاث مرات، ثم ارتفع الإناء أيضاً إلى السماء». إذاً ببساطة إذا أمرك الله بفعل شئ ما، فهو ليس نجساً أوخاطئاً.
ولكن فى أحيان كثيرة يصوم المسيحيون، لذا فى النهاية هو نفس ما يدعو إليه النظام النباتى؟
يعبر القديس يوحنا ذهبى الفم عن ذلك بقوله: «نحن لا نضع رجاءنا في الصوم (الجسدى) وحده. فهو ليس خيراً ولا ضرورة فى حد ذاته. ولكنه يمارس لفائدة اقتناء نقاوة القلب والجسد، فان الإنسان يكتسب سلام الروح عن طريق إماتة شهوات الجسد. ولكن الصيام قد يصبح أحياناً خطيراً على الروح إذا تمت ممارسته في غير وقته المناسب .. فانه يجب علينا أن نجتهد لكي نقتنى الفضائل التى تشكل الخير الحقيقى من خلال الصوم، لا أن نجعل الفضائل تعمل من أجل الصوم فقط. وهكذا، فإن فائدة اخضاع الجسد – المرتبط بالامتناع عن الطعام – تتمثل فى أننا نقتنى المحبة التى يتألف منها الخير الثابت والدائم ». ولذلك لا يجب علينا أن نضع كل رجائنا فى الصوم الجسدى فقط.
ابحث عن مقالات تتناول موضوع الأخلاق من هنا.