يعتقد عدد قليل من العلماء أن يسوع لم يكن شخصية تاريخية. إلا أن هذه الفكرة تظهر بين الحين والآخر بين بعض الأكاديميين. بالنسبة لهؤلاء، فإن أسفار العهد الجديد جاءت متأخرة، باستثناء رسائل بولس الرسول. وبما أن بولس الرسول لم يلتق بيسوع جسديًا، فمن الممكن أن يسوع لم يكن موجودًا على الإطلاق وأن المسيحية بدأت دون أي اتصال بيسوع التاريخي الذي من المفترض أنه مات حوالي عام 30م لأنه فقط في الوثائق اللاحقة – الأناجيل الاربعة – تم تحديد مكان ووقت إقامته على الأرض بشكل محدد.
ولكن، هناك خمس مشاكل رئيسية في هذا الرأي.
أولاً، يذكر بولس الرسول يسوع من كشخصية حقيقية بل ويظهر اهتماماً كافياً بحياة يسوع من الناحية التاريخية. ويشمل ذلك الحفاظ على شهادة شهود العيان على هذه الحقائق. على سبيل المثال، في رسالة كورنثوس الأولى، يدمج بولس الرسول عقيدة مسيحية مبكرة جدًا وهي أقدم من الكتاب الذي يظهر فيه. حيث يصرّح:
“فإن ما قبلته سلمته إليكم أولاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم إلى الاثني عشر. وبعد ذلك ظهر لأكثر من خمسمائة من الإخوة والأخوات في نفس الوقت، معظمهم ما زالوا على قيد الحياة، رغم أن بعضهم قد رقد. ثم ظهر ليعقوب ثم لجميع الرسل” (1كو15: 3-7).
تظهر مثل هذه التقاليد المبكرة بشكل متكرر في العهد الجديد وتتكون من تعاليم وإعلانات شفهية تكررت حتى تم تسجيلها في الرسائل والأناجيل نفسها. إذن، فإن قوانين الإيمان هذه تسبق كتابات العهد الجديد التي وردت فيها. يسجل هذا التقليد الخاص موت يسوع ودفنه وقيامته وظهوره لأشخاص كثيرين كانوا لا يزالون أحياء في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، لم يقابل بولس الرسول بعض هؤلاء الشهود شخصيًا فحسب، بل أوضح أن رسالته بخصوص هذه الحقائق مطابقة لشهادة شهود العيان. إذ قال: «وبعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأرى بطرس، وأقمت عنده خمسة عشر يومًا. ولكنني لم أر أحداً من الرسل إلا يعقوب أخا الرب» (غلاطية 1: 18-19). وذكر أيضًا أن الإيمان كله مبني على هذه الشهادة بقيامة يسوع “وإن لم يكن المسيح قد قام، فكرازتنا باطلة وإيمانكم أيضًا باطل. بلى، ونوجد شهود زور لله، لأننا شهدنا عن الله أنه أقام المسيح، وهو لم يقمه، إن كان الأموات لا يقومون» (1 كورنثوس 15: 14-15). كان من المهم للغاية بالنسبة لبولس الرسول أن تكون هذه المعلومات قريبة جدًا من الأحداث الفعلية، وبالتالي لا يمكن رفضها باعتبارها مواد متأخرة أو كدليل لإشاعات رائجة، بل حقيقة مؤكدة ويمكن التحقق منها بالرجوع الى الكثير من الشهود العيان.
ثانياً، يقدم بولس الرسول الدليل على أن يسوع عاش في القرن الأول الميلادي. ويشير إلى معاصري يسوع صفا والاثني عشر (1 كورنثوس 15: 5)؛ والرسل إخوة المسيح وصفا (1 كورنثوس 9: 5)؛ ويعقوب أخو الرب (غلاطية 1: 18-19)؛ و الرسل بطرس ويعقوب ويوحنا (غلاطية 8:2-9)؛ وبطرس وحده (غلاطية 2: 11). علاوة على ذلك، يشير بولس الرسول إلى أن معظم الـ 500 شخص الذين رأوا يسوع المقام في وقت ما كانوا لا يزالون على قيد الحياة عندما كتب رسالة كورنثوس الأولى، حوالي 55-57 م.
لذلك، يمكن تصنيف العديد من تفسيرات المتشككين على أنها غير واقعية، حيث أن هؤلاء المتشككين يرفعون ستارًا من الدخان بدلاً من التعامل مباشرةً مع الأدلة التي تتعارض مع فرضياتهم.
المشكلة الرئيسية الثالثة هي أن المتشككين يعتمدون على الديانات الغامضة القديمة لتفسير وجود المسيحية بدون يسوع التاريخي. يعتبر الاعتماد على تطور الأساطير أطروحة شائعة في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن تم رفضها لاحقًا من قبل غالبية الباحثين، وذلك لأسباب عديدة. اقرأ المزيد عن يسوع والأساطير القديمة في هذا المقال
(https://web.facebook.com/watch/StPaulCopticApologetics/1709787406025942/)
اقرأ أيضًا المزيد عن سبب بطلان النظريات البديلة للقيامة في هذا المقال (https://www.facebook.com/101891955556995/posts/144801514599372/)
رابعاً، تعتمد الفرضية القائلة بأن يسوع لم يكن موجوداً على الإطلاق وعلى أن تاريخ الأناجيل يعود إلى عام 90 ميلادية على أقرب تقدير، مع عدم وجود علاقة بين موت يسوع وولاية بيلاطس قبل ذلك التاريخ. ربما كانت مثل هذه التواريخ للأناجيل شائعة في القرن التاسع عشر، ولكن تم التخلي عنها اليوم من قبل الغالبية العظمى من العلماء، وذلك لأسباب عديدة. معظم العلماء حالياً يؤرخون إنجيل مرقس حوالي 65-70 م، و إنجيل متى ولوقا حوالي 80-90 م. حتى أن بعض العلماء يقبلون تواريخ أقدم من هذه.
للحصول على أدلة تاريخية خارج العهد الجديد عن صلب يسوع في زمن بيلاطس، يرجى قراءة هذا المقال (https://www.facebook.com/101891955556995/posts/152251733854350)
المشكلة الرئيسية الخامسة هي عدم تطبيق المنهجية التاريخية على مادة الإنجيل. فإذا طبقنا على العهد الجديد نفس المعايير التي يتم تطبيقها على الكتابات القديمة التي تحتوي على مادة تاريخية، فلن نتمكن من رفض وجود يسوع أكثر مما يمكننا أن نرفض وجود العديد من الشخصيات التاريخية التي لا يتم التشكيك مطلقاً في حقيقة وجودها وتاريخيتها.
في الختام، يعتقد عدد قليل من العلماء أن يسوع لم يكن موجودًا على الإطلاق أو حاولوا إلقاء الشك شبه الكامل على حياته وخدمته. عندما بُذلت مثل هذه الجهود، قوبلت بصرخات احتجاج قوية من المجتمع العلمي.