يدعي ناقد العهد الجديد بارت ايرمان أن المخطوطات التي لدينا اليوم لا تمثل الكتابات الأصلية، لكنها في الواقع نسخ مليئة بالأخطاء ولا يمكن الوثوق بها. بل إن عدد الاختلافات بين هذه المخطوطات يتجاوز عدد الكلمات في العهد الجديد بلغته اليونانية الأصلية. فهو يدعي أن هناك حوالي 400,000 اختلاف في المخطوطات الموجودة لدينا على الرغم من وجود حوالي 138,200 كلمة في العهد الجديد باللغة اليونانية؛ مما يعني أنه لكل كلمة موجودة في العهد الجديد هناك حوالي 3 خيارات لها!
ولكن، هل هذه الاختلافات تعتبر مؤشر على دقة المخطوطات؟ وماذا تعني هذه الأرقام؟
للإجابة على هذا السؤال وتحديد مصداقية مخطوطات العهد الجديد، نحتاج إلى النظر في كيفية تقييم المؤرخين لمصداقية أي عمل من العصور القديمة. يقيّم المؤرخون أي نص من خلال النظر في ثلاثة أشياء: أ) عدد نسخ المخطوطات الموجودة للنص ؛ ب) الفجوة الزمنية بين النص الأصلي وأقدم نسخة باقية ؛ ج) أهمية الاختلافات بين النسخ.
يتمتع المؤرخون ونقاد النص بثقة أكبر في إعادة بناء النص الأصلي عندما يكون هناك الكثير من النسخ، وفجوات زمنية قصيرة بين النص الأصلي وأقدم نسخة باقية، واختلافات غير مهمة بين النسخ الموجودة.
إذا قمنا بمقارنة مخطوطات العهد الجديد بالمخطوطات التي تستشهد بأعمال الفلاسفة أو المؤلفين أو المؤرخين المشهورين مثل أفلاطون أو هوميروس أو سوتونيوس، الذين قد تم اعادة بناء أعمالهم بدرجة عالية من الدقة، فسنجد أن عدد مخطوطات العهد الجديد يفوق أيًا من هذه الأعمال ومشهود له اكثر بكثير من هذه الأعمال. فعلى سبيل المثال، لدينا حوالي 250 نسخة فقط من كتابات أفلاطون وأقدم مخطوطة تم العثور عليها يقدر تاريخها بعد حوالي 1300 عام من الكتابة الأصلية. ولكن، بالنسبة للعهد الجديد، لدينا أكثر من 5,800 مخطوطة باللغة اليونانية وحدها وحوالي 20,000 مخطوطة بلغات أخرى (مثل القبطية واللاتينية والسريانية). في الواقع، يقول ناقد النص، دان والاس، “بالمقارنة مع اي مؤلف يوناني قديم، فإن نسخ العهد الجديد أكثر وفرة بألف مرة”. بالإضافة إلى ذلك، تم الاستشهاد بهذه المخطوطات مع جميع ترجماتها على نطاق واسع من قبل آباء الكنيسة الأوائل خلال القرون الأولى للمسيحية لدرجة أن إيرمان نفسه يدعي أن هذه الاستشهادات كثيرة جدًا لدرجة أنه “إذا تم تدمير جميع المخطوطات القديمة للعهد الجديد، فان اقتباسات الاباء الاولين ستكون كافية وحدها لإعادة بناء العهد الجديد بأكمله”.
اما فيما يتعلق بالفجوة الزمنية بين أقدم المخطوطات الباقية والمخطوطات الأصلية، فلدينا مخطوطتان، P52 و P66 ، مؤرخان بحوالي 35-40 سنة بعد المخطوطات الأصلية. في عالم الأدب القديم، تعتبر هذه المدة الزمنية طرفة عين، اذ ان متوسط الوقت بين كتابة معظم الأعمال المعاصرة للعهد الجديد مثل أعمال بليني أو سويوتونيوس أو تاسيتوس ونسخهم الأولى لا يقل عن بضع مئات من السنين. لذلك مرة أخرى لا يوجد عمل آخر في العصور القديمة يقترب من التصديق المبكر مثل مخطوطات العهد الجديد.
وفيما يتعلق بالاختلافات النصية بين المخطوطات، نعم هناك حوالي 400,000 اختلاف بين مخطوطات العهد الجديد، ومع ذلك فإن أهميتها هي ما يهم حقًا. لذلك دعونا أولاً نحدد ما هو الاختلاف. الاختلاف قد يحدث إذا تهجى أحد الناسخين كلمة “جون” وتهجاها آخر “جونن”، فهذه صيغة مختلفة. إذا استخدم اثنان من الناسخين مرادفين مختلفين للكلمة نفسها، فهذا اختلاف. إذا كتب اثنان من الكتبة الجملة نفسها بنفس المعنى ولكنهما يستخدمان ترتيبًا مختلفًا للكلمات، فهذا ايضاً يعتبر اختلاف. إذا تم العثور على آية أو جزء من النص في نسخة واحدة ولكن ليس في نسخ أخرى، فهذا أيضًا اختلاف.
إذا ألقينا نظرة فاحصة على هذه الاختلافات البالغ عددها 400,000، فسنجد أن 99٪ منها لا تؤثر على معنى النص على الإطلاق. حيث ان الاغلبية العظمى من الاختلافات في تغيرات في الهجاء أو ترتيب الكلمات. نسبة 1٪ المتبقية (فقط 4000 متغير) ذات مغزى ولكن لا يؤثر أي منها على عقيدة واحدة من العقيدة المسيحية. وفي الواقع، بالنظر إلى العدد الهائل من المخطوطات التي لدينا للعهد الجديد، فمن المنطقي أن يكون لدينا عدد كبير من المتغيرات. لذا فإن العدد الكبير من المتغيرات يرجع إلى حقيقة أن العهد الجديد يحتوي على مخطوطات أكثر من أي عمل آخر في العصور القديمة.
في الختام، بناءً على الشهادات الغنية والمبكرة للعهد الجديد، فضلاً عن الاختلافات الطفيفة بين مخطوطاته، يمكننا أن نثق في أن مخطوطات العهد الجديد ذات مصداقية عالية جداً. حقيقةً، إذا لم نثق في مخطوطات العهد الجديد ، فلا يمكننا الوثوق بأي عمل آخر من العصور القديمة.